سورة الحجرات - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجرات)


        


{فَضْلا} أي كان هذا فضلا {مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّه، عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
قوله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الآية.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا مسدد، حدثنا معتمر قال: سمعت أبي يقول: إن أنسًا قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حمارًا وانطلق المسلمون يمشون معه، وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله أطيب ريحًا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه فتشاتما، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها نزلت: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}.
ويروى أنها لما نزلت قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاصطلحوا وكف بعضهم عن بعض.
وقال قتادة: نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مداراة في حق بينهما، فقال أحدهما للآخر: لآخذن حقي منك عنوة، لكثرة عشيرته، وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه، فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال، ولم يكن قتال بالسيوف.
وقال سفيان عن السدي: كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد تحت رجل، وكان بينها وبين زوجها شيء فرقى بها إلى عُلية وحبسها، فبلغ ذلك قومها فجاؤوا، وجاء قومه فاقتتلوا بالأيدي والنعال، فأنزل الله عز وجل: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} بالدعاء إلى حكم كتاب الله والرضا بما فيه لهما وعليهما {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} تعدت إحداهما، {عَلَى الأخْرَى} وأبت الإجابة إلى حكم كتاب الله، {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ} ترجع، {إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} في كتابه، {فَإِنْ فَاءَتْ} رجعت إلى الحق، {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} بحملهما على الإنصاف والرضا بحكم الله، {وَأَقْسِطُوا} اعدلوا، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.


{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} في الدين والولاية، {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} إذا اختلفا واقتتلا قرأ يعقوب {بين إخوتكم} بالتاء على الجمع، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد المخلدي، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرَّجَ عن مسلم كُرْبَةً فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة».
وفي هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين، يدل عليه ما روي عن الحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل- وهو القدوة- في قتال أهل البغي، عن أهل الجمل وصفين: أمشركون هم؟ فقال: لا من الشرك فروا، فقيل: أمنافقون هم؟ فقال: لا إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا.
والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل، فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل، ونصبوا إمامًا فالحكم فيهم أن يبعث الإمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم، وإن لم يذكروا مظلمة، وأصروا على بغيهم، قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته، ثم الحكم في قتالهم أن لا يُتَّبع مُدْبِرُهُم ولا يقتل أسيرهم، ولا يذفف على جريحهم، نادى منادي عليّ رضي الله عنه يوم الجمل: ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح. وأُتي عليٌ رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له: لا أقتلك صبرًا إني أخاف الله رب العالمين. وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس أو مال فلا ضمان عليه.
قال ابن شهاب: كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأُتلف فيها أموال كثيرة، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم، وجرى الحكم عليهم، فما علمتُه اقتص من أحد ولا أغرم مالا أتلفه.
أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثلاث بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم، أو لم يكن لهم تأويل، أو لم ينصبوا إماما فلا يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتالا ولم يتعرضوا للمسلمين، فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق.
روي أن عليًّا رضي الله عنه سمع رجلا يقول في ناحية المسجد: لا حكم إلا لله تعالى، فقال عليٌّ: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال.


وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ} الآية، قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه كان في أذنه وقر، فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه، فيسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم، فضن كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد، فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسًا يجلس فيه قام قائمًا كما هو، فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطى رقاب الناس، ويقول: تفسحوا تفسحوا، فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه وبينه رجل، فقال له: تفسح، فقال الرجل: قد أصبت مجلسًا فاجلس، فجلس ثابت خلفه مغضبًا، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل، فقال: من هذا؟ قال: أنا فلان، فقال ثابت: ابن فلانة، وذكر أُمًّا له كان يعير بها في الجاهلية، فنكَّسَ الرجل رأسه واستحيا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الضحاك: نزلت في وفد بني تميم الذين ذكرناهم، كانوا يستهزؤون بفقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة، لما رأوا من رثاثة حالهم، فأنزل الله تعالى في الذين آمنوا منهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} أي رجال من رجال. والقوم: اسم يجمع الرجال والنساء، وقد يختص بجمع الرجال، {عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ}.
روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عيرن أم سلمة بالقصر.
وعن عكرمة عن ابن عباس: أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب، قال لها النساء: يهودية بنت يهوديين. {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا يعب بعضكم بعضًا، ولا يطعن بعضكم على بعض، {وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ} التنابز: التفاعل من النبز، وهو اللقب، وهو أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به.
قال عكرمة: هو قول الرجل للرجل: يا فاسق يا منافق يا كافر.
وقال الحسن: كان اليهودي والنصراني يسلم، فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني، فنهوا عن ذلك.
قال عطاء: هو أن تقول لأخيك: يا كلب يا حمار يا خنزير.
وروي عن ابن عباس قال: التنابز بالألقاب: أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف عن عمله.
{بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوق، بَعْدَ الإيمَانِ}. أي بئس الاسم أن يقول: يا يهودي أو يا فاسق بعد ما آمن وتاب، وقيل معناه: إن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق، وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} من ذلك، {فَأُولَئِكَ هُم، الظَّالِمُونَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5